• "الاقتصاد" تناقش أبرز التحديات في رحلة التحوّل لرؤية 2030

    04/09/2016

    "الاقتصاد" تناقش أبرز التحديات في رحلة التحوّل لرؤية 2030

    لم يكن اعتزام المملكة نحو التحول في إطار مشروع رؤية شاملة، مجرد حلم عابر، بل حولته إلى عزيمة وثابة وأعلنتها قرارا حكوميا رسميا ينبعث من هدف التخلي عن النفط وإعادة ترتيب البيت الإداري من الداخل، عنوانه العريض كفاءة الأداء والارتقاء بالمخرجات. "الاقتصاد" في عددها الأخير بحثت عن محددات التحديات المركزية الماثلة أمام مثل هذا المشروع العملاق للتغيير في طبيعة الأداء والإنتاج بالجهاز الحكومي، حيث لا ينتظر أن يكون مشروع عملاق كهذا سهل المنال لاسيما أن أطراف نجاحه تشمل جميع مفاصل القطاعات الحكومية وكذلك نقل الهدف وطبيعته المنطوية على التغيير الجذري في الأداء والمخرجات.
    مجلة "الاقتصاد" الصادرة عن غرفة الشرقية في رصدها لأبرز التحديات ذكرت أن منهجية التناعم وضبط التباينات هي إحدى الركائز البارزة في رحلة التحدي لتنفيذ طموح 2030، حيث يرى المهتم بالإدارة الاستراتيجية ورسم السياسات عبدالله بن محمد الشهراني، أن مشروع الرؤية السعودية يعد قفزة كبيرة في منهجية عمل القيادة العليا للدولة والإدارة الاستراتيجية للحكومة، لأسباب عديدة أهمها المستوى المرتفع للشفافية والوضوح ووضع معايير للأداء والمساءلة وإشراك المواطن والإعلام في الرقابة على التنفيذ، إضافة إلى إدراج برنامج قيم المعايير الإقليمية والعالمية لمقارنتها بالقيم المستهدفة في البرنامج مما يعكس الثقة في تحقيقها.
    إلا أن الشهراني يرى وجود تباين في بعض طموحات الوزارات وأهدافها التي تضمنتها وثيقة البرنامج، فهناك وزارات بالغت في تضخيم أهدافها التي تسعى لتحقيقها خلال فترة البرنامج ـ 4 سنوات ـ في حين أن هناك وزارات أخرى بالغت في التحفظ وتقليص المطلوب منها خلال نفس الفترة. واستدل بالهدف الأول لوزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المتضمن رفع قيمة صادرات السلع غير النفطية من 185 إلى 330 مليار ريال أي بنسبة زيادة 78%، في حين أن الهدف الخامس عشر لوزارة البيئة والمياه والزراعة يتضمن رفع نسبة تغطية خدمات الصرف الصحي للسكان من 60 إلى 65% فقط أي بنسبة زيادة لا تتعدى 5%.
    ولفت الشهراني إلى تأكيدات وزير المالية عن البرنامج وأنه لا يوجد توجّه للدولة لفرض ضرائب من أي نوع على المواطن، وأن ضريبة دخل الوافد ما تزال مجرد فكرة تحت الدراسة، مشيرا إلى أنه في الوقت ذاته جاء في الهدف الاستراتيجي الثاني للوزارة رفع قيمة الإيرادات غير النفطية من 163 إلى 530 مليار ريال في عام 2020، ومن المعلوم أن أهم إيرادات غير ريعية لأية دولة في العالم هي الضرائب والرسوم، كما تضمنت وثيقة البرنامج ثلاث مبادرات لوزارة المالية إحداها إعداد وتطبيق ضريبة الدخل الموحدة، وأخرى لإعداد وتطبيق ضريبة الدخل على المقيمين والثالثة مبادرة تطبيق إصلاحات ضريبية.
    فيما يلفت المختص في التشريعات الاقتصادية طارق الصقير نظر "الاقتصاد" إلى إحدى أهم تحديات مسيرة رؤية 2030 وهي كفاءة التنفيذ والرقابة لتحقيق هدف التحول الوطني الذي يتكون من 178 هدفا استراتيجيا تشكل خلاصة المبادرات الحكومية، وتتم مراقبة مدى إنجاز تلك الأهداف من خلال 371 مؤشرا لقياس الأداء.
    ويلاحظ الصقير أن برنامج التحول الوطني لجأ إلى اتباع منهج دولي لتطبيق الخطط الاستراتيجية المرتكز على مؤشرات الأداء الحاكمة والتي تطور مفهومها منذ طرحت فكرتها عام 1992، مطالبا بجمع مؤشرات الأداء في لوحة قياس موحدة، حيث أن ذلك سيرفع من كفاءة وسرعة اتخاذ القرار. تلك اللوحة الموحدة تحوي مجموعة من النتائج التي يسهل تحليلها ومعرفة مكامن الخلل أو القصور في الأداء الحكومي والتي بدورها تمكّن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من المراجعة الدورية لآثار تلك الأهداف الاستراتيجية على حيوية الاقتصاد المحلي.
    وأبرز الصقير نقطة حيوية من أنه يجب التأكد من تشابه العوامل الإقليمية والدولية مع العوامل المحلية عند مقارنة مؤشرات الأداء بمعايير إقليمية وعالمية حتى لا يتم الاعتماد على معيار إقليمي أو عالمي لا يتماشى مع ظروف البيئة الاقتصادية المحلية.
    إلى ذلك يدعو مدير الأبحاث في شركة السعودي للاستثمار مازن السديري إلى ضرورة تبني البحث والتطوير كأداة موجهة ومقيمة لوضع خطة التحول وضمان سير مشروع الرؤية إلى الهدف المنشود خصوصا في نموذج القطاع الصناعي. وذكر لـ "الاقتصاد" أنه لا يليق بالمملكة ترتيبها العالمي بين الدول المهتمة بالبحث والتطوير  R&D قياساً بحجم الإنفاق بالنسبة للناتج المحلي، حيث يقع ترتيبها بعد دول كمصر والأردن والمغرب، وهي دول نامية وتعاني اقتصادياً، ومع ذلك فترتيبها يفوق السعودية حيث تكاد نسبة الإنفاق للناتج المحلي لا تذكر تبعاً لما أصدرته اليونيسكو.
    ويرى السديري أن خطة التحوّل غير واضحة تحديدا حيال صناعة البتروكيماويات، القطاع الأهم بعد البترول، مشددا على ضرورة تعزيزها بالبحث العلمي والتطوير الذي هو حجر الأساس لأية تنمية مستدامة، وإلا تحولت المصانع في أية صناعة إلى خردة مع الزمن، والمستثمر المحلي أو الأجنبي هو أول من يخرج أو يغلق الصناعات التي تجاوزها الزمن والتي يتحول أبناؤها إلى عاطلين.
    من جانبه، يذكر أستاذ الإدارة الاستراتيجية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الدكتور عبدالوهاب بن سعيد القحطاني لـ "الاقتصاد" أن تنفيذ الخطة الاستراتيجية يتطلب القياس المستمر للأداء والرقابة والتحكم لتوجيهها نحو الأهداف، داعيا إلى وجوب تقييم النتائج الكمية والنوعية بين حين وآخر، للتأكد من سلامة الأداء، مبينا أن التأكيد على أن مرحلة التنفيذ والأداء في الخطة الاستراتيجية الحالية أكثر المراحل صعوبة. مشددا على أن الالتزام من جهة القيادة بتنفيذ الاستراتيجية نحو التحول في 2020 والرؤية في 2030 شرط لنجاحها، مؤكدا على ضرورة التنسيق الكامل بين الوزارات والإدارات والهيئات، لتسهيل تنفيذها بفاعلية وكفاءة ولتذليل العقبات المحتملة في مرحلة التنفيذ التي تعد من أصعب مراحل الخطة الاستراتيجية.
    ويطالب القحطاني بأهمية الاستفادة من محفز الدعم القيادي الحكومي غير المحدود المعنوي والمالي للرؤية، داعيا إلى بذل أسباب نجاح التنفيذ التي تبدأ بواقعيتها وإمكانية تحقيقها ووضوحها ومشاركة جميع من لهم علاقة بها في مرحلة التنفيذ.
    وتنقل "الاقتصاد" عن الكاتب الاقتصادي محمد العنقري تأكيده بأنه لا يمكن تحقيق نتائج تصل للأهداف المرصودة بالرؤية دون إطار حوكمة متكامل، مشددا على أن أحد بواطن الخلل التي قللت من مستوى الوصول لنسب عالية من الإنجازات المستهدفة في الخطط التنموية السابقة هو ضعف الرقابة والتنسيق وإيجاد الحلول بمستوياتها المختلفة نتيجة غياب ما أصبح يختصر بمفهوم الحوكمة، مشيرا إلى أن الرؤية المستقبلية 2030 ركزت على النهوض بالحوكمة حتى تكتمل حلقات العمل المطلوب لإنجاز كل جهة لخطتها ودورها المعتمد ويظهر ذلك من خلال تشكيل لجان ومكاتب وإدارات وتحديد أدوارها في إطار هذه الحوكمة الشاملة، محذرا من أي خلل في آلية التصعيد التي ترتكز على كيفية إيجاد الحلول والرصد والمتابعة ووضع الخطوات للتنفيذ بمستوى من الشفافية.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية